في كل دورة انتخابية، تتكرر المسرحية ذاتها، ولكن بأبطال جدد ووجوه قديمة. ما إن تُعلن القوائم الحزبية حتى يعلو صراخ البعض، ويتحول المشهد من منافسة إلى حفلة اتهامات وادعاءات بطولات زائفة. كأن الترشح صار حقًا موروثًا لا يخضع للتقييم أو الكفاءة أو ثقة الناس.
ما أسهل أن تُلقي التهم وما أصعب أن تُثبت أنك كنت أصلًا جديرًا بالمقعد!
نسمع اليوم من يتحدث عن "ظلم وقع عليه" و"تآمر حزبي ضده"، بينما الحقيقة أن الشارع قد لفظه منذ زمن، وأن الجماهير لم تعد تراه ممثلًا حقيقيًا لقضاياها، بل عبئًا على صورتها.
يا سادة، السياسة ليست نواحًا على ما فات، ولا بكاءً على مقعد لم تحصلوا عليه. إنها مسؤولية، ميدانها العمل لا الكلام، وجوهرها خدمة الناس لا خدمة النفس. ومن كان يرى في المقعد النيابي وجاهةً أو سلطةً أو بوابة مصالح، فقد أساء فهم المعنى الحقيقي للعمل العام.
كفّوا عن المهاترات، فالناس اليوم أكثر وعيًا مما تظنون.
لم تعد تنطلي عليها الشعارات الفارغة ولا الصور المبتسمة ولا جمل "أنا خادمكم الأمين" التي تُقال في الصباح وتُنسى في المساء. الناس تعرف من تعب لأجلها، ومن استغل حاجتها، ومن ظهر فقط حين حان موعد الدعاية.
من يثق بجماهيريته، فليتوجه إلى الميدان..
المعركة الانتخابية لا تُحسم في المقاهي ولا على مواقع التواصل، بل في الشارع وبين الناس، في الأسواق والقرى والنجوع، حيث يُقاس الرصيد الحقيقي لا الافتراضي.
أما أولئك الذين اختاروا طريق الصراخ بدل العمل، فاعذرونا إن قلنا إن صوتهم العالي لا يصنع تاريخًا ولا يحصد ثقة.
فالزمن تغيّر، والمجتمع تغيّر، والمشهد السياسي لم يعد يحتمل من يعيش على أوهام الماضي.
اتركوا صناديق الانتخابات تتحدث، فهي وحدها التي لا تجامل ولا تخون.
ومن أراد المجد فليصنعه بيده، ومن أراد الاحترام فليمنحه لخصومه قبل أن يطلبه لنفسه.
وفي النهاية، نقولها بوضوح:
من أراد أن يُختبر صدقه، فالميدان أمامه مفتوح..
أما الذين آثروا البكاء على الأطلال، فليطمئنوا، فالتاريخ لا يكتب أسماء المتفرجين، بل أسماء الذين نزلوا إلى الميدان بضميرٍ حيٍّ، وإرادةٍ صادقة، وعطاءٍ لا ينضب.